سورة الفرقان - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4)}
{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ إِنْ هذا إِلاَّ إِفْكٌ} القائلون كما أخرجه جمع عن قتادة هم مشركو العرب لا جميع الكفار بقرينة ادعاء إعانة بعض أهل الكتاب له صلى الله عليه وسلم وقد سمى منهم في بعض الروايات النضر بن الحرث. وعبد الله بن أمية. ونوفل بن خويلد، ويجوز أن يراد غلاتهم كهؤلاء ومن ضامهم، وروى عن ابن عباس ما يؤيده، وروى عن الكلبي. ومقاتل أن القائل هو النضر والجمع لمشايعة الباقين له في ذلك، ومن خص ضمير {اتخذوا} [الفرقان: 3] شركي العرب وجعل الموصول هنا عبارة عنهم كلهم جعل وضع الموصول موضع ضميرهم لذمّهم بما في حيز الصلة والإيذان بأ ما تفوهوا به كفر عظيم، وفي كلمة {هذا} حط لرتبة المشار إليه أي قالوا ما هذا إلا كذب مصروف عن وجهه {افتراه} يريدون أنه اهترعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل عليه عليه الصلاة والسلام {وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ} أي على افترائه واختراعه أو على الإفك {قَوْمٌ ءاخَرُونَ} يعنون اليهود بأن يلقوا إليه صلى الله عليه وسلم أخبار الأمم الدارجة وهو عليه الصلاة والسلام يعبر عنها بعبارته، وقيل: هم عداس، وقيل: عائش مولى حويطب بن عبد العزى. ويسار مولى العلاء بن الحضرمي. وجبر مولى عامر وكانوا كتابيين يقرؤن التوراة أسلموا وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعهدهم فقيل ما قيل، وقال المبرد: عنوا بقوم آخرين المؤمنين لأن آخر لا يكون إلا من جنس الأول، وفيه أن الاشتراك في الوصف غير لازم ألا ترى قوله تعالى: {فِئَةٌ تقاتل فِى سَبِيلِ الله وأخرى كَافِرَةٌ} [آل عمران: 13] {فَقَدْ جَاءوا} أي الذين كفروا كما هو الظاهر {ظُلْمًا} منصوب بجاءوا فإن جاء وأتى يستعملان فـ يمعنى فعل فيتعديان تعديته كما قال الكسائي، واختار هذا الوجه الطبرسي وأنشد قول طرفة:
على غير ذنب جئته غير أنني *** نشدت فلم أغفل حمولة معبد
وقال الزجاج: منصوب بنزع الخافض فهو من باب الحذف والإيصال، وجوز أبو البقاء كونه حالًا أي ظالمين، والأول أولى، والتنوين فيه للتفخيم أي جاؤا بما قالوا ظلمًا هائلًا عظيمًا لا يقادر قدره حيث جعلوا الحق البحت الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إفكًا مفتري من قبل البشر وهو من جهة نظمه الرائق وطرازه الفائق بحيث لو اجتمعت الإنس والجن على مباراته لعجزوا عن الإتيان ثل آية من آياته ومن جهة اشتماله على الحكم الخفية والأحكام المستتبعة للسعادات الدينية والدنيوية والأمور الغيبية بحيث لا تناول عقول البشر ولا تحيط بفهمه القوى والقدر، وكذا التنوين في {وَزُورًا} أي وكذبًا عظيمًا لا يبلغ غايته حيث قالوا ما لا احتمال فيه للصدق أصلًا، وسمي الكذب زورًا لا زوراره أي ميله عن جهة الحق والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها لكن لا على أنهما أمران متغايران حقيقة يقع أحدهماعقيب الآخر أو يحصل بسببه بل على أن الثاني عين الأول حقيقة وإنما الترتيب بحسب التغاير الاعتباري، وقد لتحقيق ذلك المعنى فإن ما جاءه من الظلم والزور هو عين ما حكى عنهم لكنه لما كان مغايرًا له في المفهوم وأظهر منه بطلانًا رتب عليه بالفاء رتيب اللازم على الملزوم تهويلًا لأمره كما قاله شيخ الإسلام، وقيل: ضمير {جاؤا} عائد على قوم آخرين، والجملة من مقول الكفار وأرادوا أن أولئك المعينين جاءوا ظلمًا بإعانتهم وزورًا بما أعانوا به وهو كما ترى.


{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5)}
{وَزُورًا وَقَالُواْ أساطير الاولين} بعدما جعلوا الحق الذي لا محيد عنه إفكًا مختلقًا بإعانة البشر بينوا على زعمهم الفاسد كيفية الإعانة، وتقدم الكلام في أساطير وهي خبر مبتدأ محذوف أي هذه أو هو أو هي أساطير، وقوله تعالى: {اكتتبها} خبر ثان، وقيل: حال بتقدير قد. وتعقب بأن عامل الحال إذا كان معنويًا لا يجوز حذفه كما في المغني، وفيه أنه غير مسلم كما في شرحه، وجوز أن يكون {أساطير} مبتدأ وجملة {اكتتبها} الخبر ومرادهم كتبها لنفسه والإسناد مجازي كما في بني الأمير المدين، والمراد أمر بكتابتها أو يقال حقيقة اكتبت أمر بالكتابة فقد شاعر افتعل بهذا المعنى كاحتجم وافتصد إذا أمر بالحجامة والفصد، وقيل قالوا ذلك لظنهم أنه يكتب حقيقة أو لمحض الافتراء عليه عليه الصلاة والسلام بناء على علمهم أنه لم يكن يكتب صلى الله عليه وسلم، وقيل: مرادهم جمعها من كتب الشيء جمعه والجمهور على الأول.
وقرأ طلحة {اكتتبها} مبنيًا للمفعول والأصل اكتتبها له كاتب فحذف اللام وأفضى الفعل إلى الضمير فصار اكتتبها إياه كتب ثم حذف الفاعل لعدم تعلق الغرض العلمي بخصوصه فبنى الفعل للمفعول وأسند للضمير فانقلب مرفوعًا مستترًا بعد أن كان منصوبًا بارزًا، وهذا مبني على جواز إقامة المفعول الغير الصريح مقام الفاعل مع وجود الصريح وهو هنا ضمير الأساطير وهو الذي ارتضاه الرضى. وغيره، وجمهور البصريين على عدم الجواز وتعين المفعول الصريح للإقامة فيقال عندهم: اكتتبته، وعليه قول الفرزدق:
ومنا الذي اختير الرجال سماحة *** وجودًا إذا هب الرياح الزعازع
بنصب الرجال وعلى الأول كان حق التركيب اختيره الرجال بالرفع فإن الأصل اختاره من الرجال مختار وظاهر أنه إذا عمل فيه ما تقدم يصير إلى ما ذكر {فَهِىَ وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ} أي تلقى تلك الأساطير عليه بعد اكتتابها ليحفظها من أفواه من يمليها عليه من ذلك المكتتب لكونه أميًا لا يقدر على أن يتلقاها منه بالقراءة فالإملاء الإلقاء للحفظ بعد الكتابة استعارة لا الإلقاء للكتابة كما هو المعروف حتى يقال: إن الظاهر العكس بأن يقال: أمليت عليه فهو يكتتبها أو المعنى أراد اكتتابها أو طلب كتابتها فامليت عليه أي عليه نفسه أو على كاتبه فالإملاء حينئذ باق على ظاهره. وقرأ طلحة. وعيسى تتلى بالتاء بدل الميم {بُكْرَةً وَأَصِيلًا} أي دائمًا أو قبل انتشار الناس وحين يأتون إلى مساكنهم وعنوا بذلك أنها تملي عليه خفية لئلا يقف الناس على حقيقة الحال، وهذة جراءة عظيمة منهم قاتلهم الله تعالى أنى يؤفكون، وعن الحسن أن {اكتتبها} إلخ من قول الله عز وجل يكذبهم به، وإنما يستقيم أن لو افتتحت الهمزة في {اكتتبها} للاستفهام الذي هو معنى الإنكار، ووجه أن يكون نحو قول حضرمي بن عامر وقد خرج يتحدث في مجلس قوم وهو في حلتين له فقال جزء بن سنان بن مؤلة: والله إن حضرميًا لجذل وت أخيه إن ورثه:
أفرح أن أرزأ الكرم وأن *** أورث زودًا شصايصا نبلا
من أبيات، وحق للحسان على ما في الكشاف أن يقف على الأولين.


{قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6)}
{قُلْ} لهم ردًا عليهم وتحقيقًا للحق {أَنزَلَهُ الذى يَعْلَمُ السر فِى السموات والارض} وصفه تعالى بإحاطة علمه بجميع المعلومات الخفية والجلية المعلومة من باب أولى للإيذان بانطواء ما أنزله على أسرار مطوية عن عقول البشر مع ما فيه من التعريض جازاتهم بجناياتهم المحكية التي هي من جملة معلوماته تعالى أي ليس ذلك كما تزعمون بل هو أمر سماوي أنزله الله تعالى الذي لا يعزب عن علمه شيء من الأشياء وأودع فيه فنون الحكم والأسرار على وجه بديع لا تحوم حوله الأفهام حيث أعجزكم قاطبة بفصاحته وبلاغته وأخبركم غيبات مستقبلة وأمور مكنونة لا يهتدي إليها ولا يوقف إلا بتوفيق الله تعالى العليم الخبير عليها، وإذا أرادوا بـ {بكرة وأصيلًا} [الفرقان: 5] خفية عن الناس ازداد موقع السر حسنًا، وأما التذييل بقوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} فهو للتنبيه على أنهم استوجبوا العذاب على ما هم عليه من الجنايات المحكية لكن أخر عنهم لما أنه سبحانه أزلًا وأبدًا مستمر على المغفرة والرحمة المستتبعتين للتأخير فكأنه قيل إنه جل وعلا متصف بالمغفرة والرحمة على الاستمرار فلذلك لا يعجل عقوبتكم على ما أنتم عليه مع كمال استيجابه إياها وغاية قدرته سبحانه عليها ولولا ذلك لصب عليكم العذاب صبًا، وذكر الطيبي أن فيه على هذا الوجه معنى التعجب كما في قوله تعالى: {لَقَدِ استكبروا فِى أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} [الفرقان: 21].
وجوز أن يكون الكلام كناية عن الاقتدار العظيم على عقوبتهم لأنه لا يوصف بالمغفرة والرحمة إلا القادر على العقوبة، وفي إيثارها تعيير لهم ونعي على فعلهم يعني أنكم فيما أنتم عليه بحيث يتصدى لعذابكم من صفته المغفرة والرحمة وليس بذاك، وقال «صاحب الفرائد»: يمكن أن يقال: ذكر المغفرة والرحمة بعد ذلك لأجل أن يعرفوا أن هذه الذنوب العظيمة المتجاوزة عن الحد مغفورة إن تابوا وأن رحمته واصلة إليهم بعدها وأن لا ييأسوا من رحمته تعالى ما فرط منهم مع إصرارهم على ما هم عليه من المعاداة والمخاصمة الشديدة وهو كما ترى.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8